(investing)- اشتعل الرهان المتفائل على أسهم الأسواق الناشئة بسبب ارتفاع أسعار السلع الأولية، وتوقُّعات نمو الأرباح، بعد عقد من الأداء الضعيف دفعها إلى الاقتراب من أدنى مستوى لها منذ 20 عاماً أمام أسهم البلدان المتقدِّمة.

 

يتوقَّع كلٌّ من بنك غولدمان ساكس (Goldman Sachs Group)، وبنك أوف أمريكا (Bank of America Corp.) وشركة لازارد لإدارة الأصول (Lazard Asset Management) ارتفاع أسهم البلدان النامية مع محاولة المستثمرين الاستفادة من انخفاض التقييم، بمجرد زيادة عمليات التلقيح ضد فيروس كورونا، بما يساعد الاقتصاد العالمي على التعافي من تأثير الجائحة.

 

وجاءت جنوب إفريقيا، وروسيا، والبرازيل ضمن الأسواق التي تتأهب للاستفادة، حتى مع استمرار الإجراءت الرقابية الصارمة التي تتخذها الصين في الضغط على الأسهم الآسيوية.

 

وخلال الأعوام العشرة التي أعقبت الأزمة المالية العالمية، ارتفع مؤشر "إم إس سي آي" لأسهم الأسواق الناشئة بنسبة 8% فقط، في حين ارتفع مقياس أسهم البلدان المتقدِّمة بأكثر من الضعف. و يعود ذلك جزئياً إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني من معدل يتجاوز 10% في عام 2010 إلى نحو 6% مع نهاية العقد، ونتج عن ذلك تدهور أسعار السلع الأولية وضعف معدلات نمو الأرباح.

 

بعد أنْ حلَّت جائحة كورونا، وفي البداية؛ تعافت جميع الأسهم دون استثناء، وارتفعت بقوة عن الأرقام المنخفضة التي سجَّلتها في مارس 2020، غير أنَّ أسهم الأسواق الناشئة ما لبثت أن تراجعت مرة أخرى. وربح مؤشر "إم إس سي أي" لأسهم الأسواق المتقدِّمة نحو 14% منذ بداية عام 2021، في حين انخفض نظيره للأسواق الناشئة بنسبة 5%.

 

قد يتغيّر ذلك في الأشهر المقبلة مع اكتساب تعافي الاقتصاد العالمي قوة دفع جديدة، وارتفاع معدل التضخم، واستمرار انتعاش أسعار المواد الأولية، مدفوعةً بمشروعات البنية الأساسية من الصين إلى الولايات المتحدة.

 

وتوجد هناك علامات على أنَّ التحوُّل قد بدأ فعلاً، إذ يقول "بنك أوف أمريكا"، إنَّ تدفُّقات رأس المال إلى أسهم الأسواق الناشئة في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وإفريقيا تسارعت منذ مارس الماضي – متجاوزة التدفُّقات إلى صناديق الاستثمار في السندات بأعلى معدل منذ عام 2014 – مع تحوُّل اتجاه المستثمرين إلى أسهم القيمة (Value Stocks).

 

في مذكرة بحثية، قال جور جيريك، محلل استراتيجي للأصول لدى بنك "أوف أميركا": "نتوقَّع أن يستمر هذا الاتجاه في ضوء قوة الدفع الداعمة للاقتصاد الكلي، وكذلك تقييمات الأسهم.". وأضاف أنَّ قطاع الطاقة كان أكثر القطاعات استفادة حتى الآن من تدفُّقات الاستثمار، معززاً موقف الأسهم الروسية، غير أنَّ هناك فرصة لزيادة التدفُّقات في قطاعات أخرى تدر قيمة، منها أسهم الشركات المالية والمواد الأولية، وسوف تتلقى جنوب إفريقيا دفعة قوية من الاستثمار في أسهم المواد الأولية.

 

في الوقت نفسه، بدا بنك "غولدمان ساكس" أنَّه "متفائل تماماً" من الناحية التكتيكية بأسهم الأسواق النامية، كما يقول سيزر ماسري، رئيس فريق الباحثين في أصول الأسواق الناشئة لدى البنك، الذي يفضِّل الأسهم والعملات في البرازيل، والمكسيك، وروسيا، وأضاف: "بشكل عام نرى عودة إلى الأوضاع الطبيعية لا تنعكس في أسعار السوق.".

 

قاطرة المكاسب

 

وتعتبر شركة "فرانكلين تيمبلتون" للاستثمار (Franklin Templeton Investments) أنَّ قطاع التكنولوجيا قاطرة المكاسب في أسهم الأسواق الناشئة، وتستفيد من ذلك بلدان مثل كوريا الجنوبية وتايوان، فقد استطاعت الدولتان إدارة أزمة جائحة كوفيد أفضل من معظم الدول الأخرى. و يقول أندرو نس، مدير المحافظ لدى شركة "فرانكلين تيمبلتون"، إنَّ أسواق البلدين التي تهيمن عليها شركات التكنولوجيا جعلتهما جاذبتين للاستثمار خلال فترة الأزمة، و ماتزال الشركة حذرة إزاء أسهم الأسواق الناشئة، لكن رئيس البحوث بها جين بودكمينر يقول، إنَّها أصبحت أكثر تفاؤلاً بسبب انخفاض التقييمات.

 

تقول شركة "لازارد"، إنَّ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة جاء أضعف من معدل النمو في الدول المتقدِّمة في عام 2021، لكن ذلك قد يبدأ في التغيّر بحلول الربع الأخير من العام مع بداية تباطؤ النشاط في الاقتصادات المتقدِّمة، ووسط ارتفاع أسعار السلع الأولية.

 

كتب استراتيجيو لازارد في تقرير: "إنَّ أي زيادة في إنفاق رأس المال في مختلف أنحاء العالم هي إشارة جيدة جداً لأسهم الأسواق الناشئة عموماً في ضوء الوضع الذي تحتله كثير من شركات الأسواق الناشئة في سلسلة التوريد العالمية. ينطبق ذلك خصيصاً على الأسهم المرتبطة بالنمو، والأسهم التي تستفيد من ارتفاع أسعار السلع الأولية، وأسهم الشركات التي تنتج سلعاً مقابل الشركات الخدمية.".

 

 

على مدى العقد الماضي، كان الأداء الفائق لأسهم الولايات المتحدة مرتبطاً بكمية السيولة النقدية الهائلة التي كان يضخّها بنك الاحتياطي الفيدرالي؛ وهي أموال في معظمها لم تصل إلى الأسواق الناشئة. وعند استبعاد تأثير هذه السيولة، قد تعاني الأسهم في مختلف أنحاء العالم من صدمة مؤقتة، لكنَّ الولايات المتحدة كانت ستفقد تميزها. وهذا ما يدعم فكرة أنَّ أسهم الأسواق الناشئة يمكن أن تتفوَّق في أدائها بعد سحب سياسات التحفيز النقدية.

 

مخاطر جوهرية

 

لا يعني ذلك أنَّه لا توجد أي مخاطر جوهرية مهمة تواجه أسهم الأسواق الناشئة؛ لأنَّ الإجراءات الرقابية الصارمة التي طبَّقتها بكين على شركات التكنولوجيا، كانت عاملاً مؤثِّراً في الأداء الضعيف لمؤشر "إم إس سي أي" لأسهم الأسواق الناشئة خلال العام الحالي، نظراً لأنَّ الأسهم الصينية تمثِّل نحو ثلث الأوزان النسبية على هذا المؤشر.

 

وفي حين يمكن أن تستمر الإصلاحات التنظيمية والرقابية في إضعاف الأسهم الصينية، يقول "غولدمان ساكس"، من غير المحتمل أنْ يمتد تأثيرها إلى مجمل الأسواق الناشئة. و قال البنك في تقرير أصدره في 18 أغسطس الجاري، إنَّ القلق بشأن النمو الاقتصادي في الصين، برغم ذلك، له أسباب وجيهة. وأضاف أنَّ أسهم البلاد المتقدِّمة خارج شمال آسيا سوف يستمر أداؤها متفوِّقاً مقارنة بمؤشر "إم إس سي أي" للأسواق الناشئة"، مما يعطيها أولوية أعلى في الاستثمار.

 

وأثبتت أسهم الأسواق الناشئة أيضاً حساسيتها تجاه احتمالات سحب سياسة التيسير النقدي بعد أن انخفضت مع الأسهم العالمية، عندما ألمح الاحتياطي الفيدرالي إلى أنَّه قد يبدأ تخفيض الحوافز النقدية في أواخر العام الحالي. وأدت تصريحات الاحتياطي الفيدرالي كذلك إلى انخفاض أسعار السلع الأولية، وارتفاع في سعر الدولار يوم الخميس الماضي، معززاً الضغوط على أسهم الأسواق الناشئة.

 

لا يمكن أنْ يكون الجميع مقتنعاً بأنَّ الأسوأ قد مرَّ، فقد خفَّض معهد "بلاك روك" للاستثمار (Black Rock Investment Institute) تقييم أسهم الشركات الناشئة إلى "محايد" أوائل الشهر الحالي بسبب حالة عدم اليقين حول مستقبل أداء الدولار الأمريكي، وتشديد السياسة النقدية.

 

ندوب مزمنة

 

قال وي لي، رئيس قسم استراتيجيات الاستثمار لدى معهد "بلاك روك": "نعتقد أنَّ نمو الاقتصاد في الأسواق الناشئة عرضة لمخاطر الندوب المزمنة على المدى الطويل بسبب بطء عمليات التلقيح ضد فيروس كورونا، ومحدودية فرص السياسة النقدية." وأضاف أنَّ عائد المخاطرة على الأسهم حالياً أقل من المتوسط التاريخي بالنسبة للأسواق الناشئة.

 

و يستثمر آخرون في قصة النمو، لكنَّهم يحذِّرون أنَّ هذا النمو قد يستغرق وقتاً. ويعتقد دانيال جيرار، محلل الأصول لدى شركة "ستيت ستريت جولوبال ماركيتس" (State Street Global Markets) أنَّ الرياح المعاكسة للأسواق الناشئة، مثل عدم اليقين بشأن البيئة التنظيمة والرقابية في الصين، سوف تمنع أسهمها من التفوق في أدائها على المدى المتوسط. لكنَّه على المدى الطويل يرى "فرصاً هائلة" مع تخفيض هذه الدول اعتمادها على البنية الأساسية المادية لصالح استخدام التكنولوجيا.

 

يقول "جيرار": "بمجرد أن تتحسَّن معدلات التلقيح ضد فيروس كورونا في الأسواق الناشئة؛ فإنَّنا لا نتوقَّع أن يتفوَّق أداء أسهم هذه الأسواق على أداء سنداتها فحسب؛ وإنما أن تلحق بأدائها أسهم الأسواق المتقدِّمة. لا تستبعد تأثير المستهلك في الأسواق الناشئة عندما تضعف قبضة الجائحة في تقييد النشاط الاستهلاكي."